
القوة البشرية.. وتأثيرها السياسي والعسكري والاقليمي! (1)
حجم السكان من الموضوعات التي تهتم بها الجغرافية السياسية بل تعدها أحد مؤشرات القوة لأي كيان سياسي، ولما كانت الدول تتفاوت في احجام سكانها فإن أي حجم يؤلف بشكل أو بأخر عنصرا من عناصر القوة مهما كان حجمها وتأثيرها،
والحجم الكبير للسكان يكون ذخيرة حقيقية واساس لتشكيل جيش كبير، والسكان هم الثروة البشرية التي تضم صرح الدولة فهم الايدي العاملة التي تستند عليها الانشطة الاقتصادية المختلفة.
علي الشراعي
اليمن استنادا إلى تركيبها الديموغرافي الذي يمثل أحد المقومات الأساسية التي يناط بها قدرة الدولة، تستطيع اعداد جيش عربي قادر على مقاومة التحديات التي تواجهها الأمة العربية في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية، وعند مضيق باب المندب، وفي مناصرة القضايا العربية، فاليمن أن كانت لا تمتلك قدرات مادية كبيرة لكنها تمتلك مخزوناً بشرياً كبيراً، فقد تضاعف أهمية اليمن على الخارطة السياسية لشبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي بعد قيام الكيان السياسي الجديد الجمهورية اليمنية بعد 22 مايو 1990م.
البؤرة القومية
تعتبر أرض اليمن البؤرة القومية الأولى للعرب فيها كان منبتهم الأول وهي مهد الحضارات العربية الأولى التي ألفت فيما بعد ينبوعا غزيرا من ينابع الحضارة العالمية، ويبدو أن انهيار سد مأرب والتغيرات المناخية التي مرت به اثرت كثيرا في نزوح موجات بشرية من اليمن باتجاه العراق والشام والحجاز, فقد هاجرت بنو جرهم إلى مكة والأزد نحو عُمان والشام والعراق، وعلى الرغم من أن الظروف القاسية والعصبية التي يمر بها المهاجر إلا أن اليمانيين ظلوا متمسكين بأصولهم وعاداتهم وتقاليدهم وكان ذلك أكثر وضوحا بعد أن جاء الإسلام واعتنقوه وشاركوا في نشره إلى معظم بقاع الأرض , وكانوا يعدون الأراضي الجديدة بلدهم الثاني.
القدرات السكانية
تقع اليمن في الركن الجنوبي الغربي من آسيا العربية، فهي تحتل الزاوية الجنوبية الغربية لشبة الجزيرة العربية، واتاح لها هذا الموقع المشرف على مضيق باب المندب أن تكون همزة الوصل بين القارة الأفريقية وآسيا العربية نظرا لضيق المساحة البحرية الفاصلة بينهما، وتقدر بحوالي 55كم, ويترتب هذا الموقع الجغرافي المتفرد لليمن بعدة امور منها سيطرة سكان اليمن على الشاطئ الشرقي لمضيق باب المندب وجزيرة ميون التي تتوسطه, وهذا يعني إشرافها على واحد من أخطر خطوط الملاحة البحرية التي تربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، وبالعكس وهذا ما يضع على عاتق سكان اليمن أعباء أمنية إضافية لهم ولأمتهم العربية عبر بناء القوة الذاتية من خلال قدراتها السكانية.
الموقع المقارن
يسمى موقع الجوار الجغرافي بالموقع المقارن ويقصد به علاقة الدول بالدول التي تمس حدودها مباشرة، وما يترتب على ذلك من علاقات مع مراكز القوى في النظام العالمي، ومن الأفضل للدول أن تكون لها جارة أضعف منها, أو مساوية لها في مضمار القوة، وفي مثل هذه الحالة تكون الدولة أقل تعرضا لمخاطر المجابهات أو الضغوط الحدودية وبذلك تحافظ على علاقاتها الودية مع مثل هؤلاء الجيران, وعلى العكس من ذلك فإن وجود جار قوى للدولة قد يعرضها إلى ضغوط سياسية وعسكرية كلما تضاربت المصالح بين الدولتين وقد يصل إلى حد شن عدوان عليها واحتلال أراضيها، وقد يكون لموضوع الجوار دور هام في خدمة مصالح الدول المجاورة وفي تقوية الصلات فيما بينها وقد يكون له دور معاكس أيضا.
وبهذا الصدد يرى "عبدالجليل عبدالفتاح الصوفي" في كتابه (قوة اليمن البشرية وأثرها في وزنها السياسي الاقليمي) أنه يتوجب على اليمن: "أن تطمئن دول الجوار بأن هذه القوة البشرية لن تسخر إلا في مصلحة الأمة العربية والإسلامية وخاصة بعد الوحدة وأنها لن تكون عامل تهديد للآخرين كما يتبادر إلى إذهان بعضهم, كما أنه على دول الجوار أن تتبع سياسة خارجية تنبع من المصالح المشتركة، وإن تدرس قراراتها المتعلقة بشؤون اليمن بروية وتمهل لأن اليمن تتبع الاسلوب نفسه تجاههم"، وفي شأن القوة السكانية وتأثيرها السياسي والعسكري وعلى محيطها الاقليمي يؤكد: "إن على اليمن أن تعرف ان حجم السكان قد لا يمنحها قوة أكيدة في العلاقات الدولية والوزن السياسي إذا لم يرافقه نمو في الاقتصاد والدخل القومي على نحو يوازي نمو السكان، فضلا عن توسع الخدمات التعليمية والصحية والعلمية، وإلا فإن مجرد حجم السكان لا يمنح الكيان السياسي القوة اللازمة تجاه القوى الاقليمية لأنه عنصر واحد من عناصر القوة الشمولية للكيان السياسي".
أول تعداد سكاني
تكمن أهمية التعدادات كونها تدرس السكان الذين يعدون مصدر كل النشاطات الاقتصادية وغيرها، وأن هذه النشاطات مترابطة وتأثيراتها متبادلة، وفي عام 1973م, جرى أول تعداد سكاني منظم وشامل في اليمن الجنوبي سابقا, وبلغ عدد السكان حينها مليون و590 ألفاً و275 نسمة, وجرى التعداد الثاني عام 1988م, وبلغ عددهم 2 مليون و107 آلاف و116نسمة، فالزيادة هي 516841 نسمة وبمعدل نمو سنوي بلغ 2,1%, ويلاحظ أن الظروف السياسية التي سادت جنوب اليمن آنذاك قد عكست نفسها على نواحي عديدة منها النمو البطيء للسكان، أما فيما يخص اليمن الشمالي سابقا فقد أجرى أول تعداد منظم وشامل للسكان في عام 1975م, وبلغ عدد السكان 6 ملايين و519 ألف و593 نسمة، والتعداد الثاني أجرى عام 1986م, وبلغ عدد السكان 9 ملايين و371 ألفاً و692 نسمة، وكانت الزيادة 2 مليون و879 ألفاً 162 نسمة، وبمعدل نمو سنوي بلغ 3,9% وتعزى تلك الزيادة خاصة في عقد الثمانينات إلى الاستقرار السياسي النسبي إذ توجهت الدولة نحو تنفيذ الخطط والسياسات الاجتماعية والاقتصادية والصحية.
تأثيرات متعددة
ومع تحقيق الوحدة اليمنية بلغ عدد سكان اليمن 12 مليوناً و364 ألف نسمة وبمعدل نمو سنوي بلغ 5,9%, إن هذه القفزة في اعداد السكان وفي معدل النمو السنوي تعزى إلى التدني الملحوظ في اعداد الوفيات وكذلك عودة المهاجرين اليمنيين من دول الخليج العربي ولا سيما السعودية، بعد ازمة الخليج عام 1990م ومن ثم حرب الخليج الثانية 1991م، وفي هذا الشأن تحدث: "كاتز آن مارك" في دراسة له نشرت عام 1995م تحت عنوان (الوحدة اليمنية والأمن السعودي): (كانت السعودية قد سمحت لليمنيين بالدخول إلى أراضيها بشروط أكثر سهولة من مواطنين دول أخرى، ومن هذه التسهيلات عدم وجود كفيل مع اشتراط ذلك للآخرين، وتغير ذلك بعد حرب الخليج الثانية، فأصبح يطلب من اليمنيين كفيل ومعاملات قاسية توجه نحوهم مما دفعهم للعودة إلى بلادهم, ويبدو أن السعودية أصبحت قلقة من ذلك العدد الكبير الذي بلغ أكثر من 800 ألف نسمة لتخوفها من دعم ذلك العدد للمعارضة السعودية التي أصبحت تشكل ضغوطا على السلطة السعودية).
وفي عام 1994م, جرى تعداد سكاني شامل لليمن الموحد وكان عدد السكان 15 مليوناً و800 ألف نسمة وبمعدل نمو سنوي بلغ 4,6%، وبذلك العدد السكاني تأتي اليمن بالمرتبة الثانية بين دول الجوار الجغرافي بعد السعودية من حيث عدد السكان بينما كان عدد سكان السعودية بعام 1994م, بحدود 17,8 مليون نسمة -، اما سكان كل من سلطنة عُمان والصومال وجيبوتي وارتيريا أقل من عدد سكان اليمن، ومن هنا فإن اليمن تتفوق من ناحية العدد السكاني على معظم دول الجوار لأن تلك الزيادة تعنى وفرة في الأيدي العاملة، ووفرة القوات الاحتياطية "العسكرية" وأنه بالإمكان الركون إلى ذلك العدد في حالة تعرض اليمن للتهديد والعدوان من قبل قوى اقليمية او اجنبية في ضوء ما يتميز به اليمانيون من مهارة في القتال، وهنا يظهر لنا الوزن السياسي لسكان اليمن من حيث العدد.
القوات المسلحة
ينظر للقوات المسلحة باعتبارها الأداة النهائية لحسم الصراع بين الدول في إطار قوتها الشاملة, فضلا عن إنها إحدى المقومات المهمة في الدولة, وتستند القوات المسلحة على السكان كونهم الركيزة الأساسية التي تتكئ عليها لأن ضخامة عد السكان يمنح الدولة قوة عسكرية، لقد أدت عملية إعادة الوحدة اليمنية إلى تعزيز الوضع العسكري في اليمن، والذي بموجبه تحرك القطاع العسكري اليمني من موقع أدني في خريطة التوازن العسكري الإقليمي إلى موقع أعلى بفضل اندماج الجيش في الشطرين مما عزز من قدرات اليمن العسكرية بين قدرات دول الجوار العسكرية، فاليمن من زاوية العلاقة بين السكان والقوة العسكرية يلاحظ أن هناك علاقة طردية بينهما فكلما زاد عدد السكان زادت أعداد القوات المسلحة, فالتركيب العمري لسكان الجمهورية اليمنية خاصة بين 18- 35 سنة, وهي سن الخدمة العسكرية النشطة نجد أن اعداد السكان بلغت حوالي 3 ملايين و391 ألفاً و147 نسمة، وتستطيع اليمن الموحد أن تختار من بينهم من هو صالح للانتساب لقواتها المسلحة.
حماية خارجية
في حين تظهر السعودية متفوقة على دول الجوار الجغرافي بما فيها اليمن من حيث عدد سكانها وعدد قواتها المسلحة, إلا أن هذا الحكم الكبير للقوات المسلحة السعودية لا يتكون من ابناء سكانها بالكامل، وانما يشكل الأجانب نسبة كبيرة منهم، وهذا بحد ذاته يقلل من أهمية العدد الكبير للقوات المسلحة السعودية في حالات المواجهات الخارجية، بل أن الدولة السعودية وسلامتها وحمايتها من الاخطار الخارجية شأن امريكيا ويؤكد ذلك الرئيس الامريكي روزفلت عام 1945م بعد لقائه بابن سعود حيث اكد الرئيس الأمريكي: "أن أمن السعودية وسلامتها يدخلان ضمن المصالح الحيوية لأمريكا, وانه يدعم المملكة لتبقى هي الدولة الأولى المهيمنة في المنطقة"، ثم جاء الرئيس ترومان فيما بعد خلفا للرئيس روزفلت ليؤكد مجددا وبكل عطف: "أن الولايات المتحدة الامريكية تُدخل ضمن اهتماماتها المباشرة توفير الحماية للمملكة ضد أي تخديد خارجي قد تتعرض له"، وفي هذا الصدد يؤكد المؤلفان "ميشيل مولون وغريغوار لاليو" في كتابهما (إستراتيجية الفوضى), بقولهما إن، "حكام السعودية اعترفوا بعجزهم عن الدفاع عن المملكة وقرروا استقبال قوات امريكية على اراضيهم لقيادة عملية عسكرية تحت مسمى عاصفة الصحراء"، وبخصوص السبب اراجع ذلك بالقول: "لا وجود لجيش وطني في المملكة العربية السعودية هناك فقط ميليشيات بأسلحة ثقيلة تنفذ أوامر الأمراء إنه جيش إقطاعي مزود بآلات حديثة لكنه غير فعال في مواجهة الاخطار الخارجية كما حدث في احتلال العراق للكويت، فالجيش الوطني يضم في صفوفه شرائح المجتمع كافة, غير أن الحكام السعوديين لم يسعوا إلى ذلك قط، فكون قوات الجيش هي التي أطاحت بالملوك العرب في كل من العراق وسورية ومصر وليبيا, لذا خشي أل سعود أن يكون مصيرهم مشابها لهؤلاء الملوك, فهم يعلمون أن الجيش الوطني لا يمكن أن يتبنى فكرة الأسرة الحاكمة، بل قد يكون لديه استعداد للإطاحة بها، لهذا ينصب اهتمام الأسرة الحاكمة بالدرجة الأولى في الحفاظ على نظامهم الأسري الاقطاعي فهي ترفض أي وجود لجيش نظامي وطني، وفي حال تعريض البلد لمشكلة تتعلق بأمنه, يستطيع آل سعود الاعتماد على دعم الولايات المتحدة الأمريكية، أما في حال نشوب اضطرابات على درجة من الأهمية في المملكة, فإنني لن أفاجأ أمام مشهد عملية إنزال للجنود الأمريكيين".