
"الدولة اليهودية".. وحدودها في الفكر الصهيوني!
من غير الطبيعي أن يظل موضوع حدود "الدولة اليهودية" في الفكر الصهيوني أمرا مجهولا لدى العرب بعد 77 عاما من قيام هذا الكيان اللقيط في أرض فلسطين، وبعد اكثر من قرن منذ ظهور الصهيونية العالمية, وما يقرب من قرنين كاملين منذ كان التسرب اليهودي إلى فلسطين،
واليوم يتجلى ويظهر حقيقة ذلك الفكر الصهيوني القديم للحدود المزعومة لدولتهم عبر ما نشر من خريطة توضح حدود كيانهم في أراضي دول عربية.
- علي الشراعي
كان قيام الحركة الصهيونية بمثابة بدء لغزو استعماري جديد على الأمة العربية وما أن قام الكيان الصهيوني سنة 1948م, حتى وقف قادته يعلنون أن قيام ما يسمى "دولة إسرائيل" قد جاء فوق جزء فقط من أرض إسرائيل, وإن ما تحقق ما هو إلا مرحلة من مراحل العمل لتحقيق أهداف الصهيونية في حدود إسرائيل الكبرى، فإهداف ونوايا العدو الصهيوني يعد الخطر الأعظم الذي يهدد أمن وسلامة ووحدة أراضي الدول العربية.
حدود متحركة
المتعارف عليه للجميع أن تعريف الدولة في مفاهيم المصطلحات السياسية يشتمل في أحد أركانه الأساسية على رقعة محددة من الأرض تشكل إقليما لتلك الدولة, ولكن في موضوع حدود العدو الصهيوني يجد الجميع انفسهم في مواجهة حالة فريدة ليس لها مثيل في العالم، إذ أن العدو الصهيوني قد خرج عن نطاق كافة التعاريف والمصطلحات السياسية المتعارف عليها، ومنذ اعلانه في مايو 1948م, ككيان او ما يسمى بدولة لكن دون أن يحدد رقعة من الأرض كإقليم له، وعلى ذلك أصبح إقليم تلك الدولة عبارة عن كيان هلامي وحدوده عبارة عن خطوط وحدود متحركة بناء على سياسة واستراتيجية تسير وفق أهداف وأفكار صهيونية محدودة وبعيدة المدى تستند في اساسها على المرحلية وعدم الافصاح جهرا عن تلك الأهداف، والجدير بالذكر أنه منذ صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم "181" لسنة 1947م, متضمنا خطة تقسيم فلسطين, وحتي صدور قرار مجلس الأمن رقم "242": لسنة 1967م, متضمنا أسس تسوية شاملة للنزاع العربي- الصهيوني, وكذا القرار رقم "338" لسنة 1973م, الذي أكد على تنفيذ القرار "242" لم يرد ذكر للخطوط النهائية التي تفصل بين اقاليم الدول الأطراف في هذا النزاع وبالتالي للفظ الحدود في غير القرارين رقم "181 و242" من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة في النزاع المذكور.
مصطلحات خاصة
لقد عمدت الصهيونية بصفة مستمرة على عدم الإعراب رسميا عن حدود الدولة اليهودية التي تريدها متعللة في ذلك بحجج متعددة, وفي نفس الوقت أطلق زعماء الصهيونية وكذا القادة العديد من المصطلحات الخاصة بحدود الكيان الصهيوني أهمها: (الحدود الدينية, الحدود التاريخية, الحدود المثالية, إسرائيل الكبرى, الحدود الطبيعية, الحدود الشرعية, الحدود المقدسة, الحدود الآمنة, الحدود المعترف بها, حدود الهدنة, الحدود الدفاعية, الحدود التي يمكن الدفاع عنها, الحدود الرادعة, خطوط وقف إطلاق النار)، ومن هنا نجد أن هناك اسماء ومصطلحات متعددة, تنفرد كل تسمية للحدود بمفهوم خاص بتعريفها, والسبب في ذلك يرجع إلى الاتجاهات المتعددة ووجهات النظر الخاصة لدى أصحاب هذه التسمية كما تختلف باختلاف الهدف سواء كان دينيا أو تاريخيا أم عسكريا وكذا يختلف باختلاف الأسس التي يعتمدون عليها سواء كانت نصوص التوراة أم المعطيات والمعلومات المستمدة من التقاليد والتاريخ والجغرافيا والخطط الصهيونية والخطط الاستعمارية.
عامل المقاومة العربية
استهدفت الصهيونية السياسية النهوض باليهود إلى مستوى شعب, وإضفاء صفة القومية على هذا الشعب, ثم انشاء "الدولة اليهودية" لتمارس سيادتها على "الوطن اليهودي" وعلى "الشعب اليهودي", وبعبارة أخرى أرادت الصهيونية إنشاء "الدولة اليهودية "سواء كان هناك اضطهاد قائم يتعرض له اليهود أو لم يكن هناك اضطهاد على الاطلاق، فالاضطهاد كان بمثابة ورقة رابحة أو ذريعة اتخذتها الصهيونية السياسية للترويج لحركتها .ولم تتأثر الحركة الصهيونية بالاستعمار في كونه سياسة يحتذى بها فحسب, بل أن الصهيونية خلال مراحلها المختلفة قد عملت على أن توائم اتجاهات عملها لخدمة الاستعمار وإيجاد مصالح مشتركة بينهما وبينه ومن ثم يمكن أن تحصل على تأييد ودعم الدول الاستعمارية للحركة الصهيونية، لذلك فإن حدود الدولة من وجهة النظر الصهيونية قد تطور وتأثر بعده عوامل منها مدى تأثير النواحي الدينية المتعلقة بالأرض على سير الحركة الصهيونية, وايضا طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية للحركة الصهيونية والدول الاستعمارية ومدى توفر المصالح المشتركة فيما بينهم، ومدى تأثير وفاعلية المقاومة العربية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
مفكرو الصهيونية
رغم أن الأفكار الصهيونية المتعلقة بحدود الإقليم الذي يريدونه ليكون بمثابة وطن قومي لليهود لم تتبلور إلا من عام 1917م, إلا أن هناك العديد من الأفكار الصهيونية قد نشرت خلال الفترات التي سبقت ظهور الحركة الصهيونية السياسية, حيث تعكس تلك الأفكار التطلعات الإقليمية لقادة الفكر الصهيوني ولعل أول دعوة علنية لإنشاء وطن قومي لليهود تمهيدا لإنشاء إمبراطوية عالمية واسعة الأرجاء كانت تلك التي أفصح عنها السير "هنري فنش" في كتابه الذي نشر عام 1619م, في انجلترا تحت عنوان "نداء اليهود"، كما نشر يهودي إيطالي سنة 1798م, رسالة بعنوان "إلى الإخوان في الدين" طالب فيها بإقامة دولة يهودية تشتمل على المنطقة التي تمتد حدودها على خط يسير من عكا إلى البحر الميت ومن الطرف الجنوبي للبحر الميت إلى البحر الأحمر كما تضم كذلك مصر السفلى، وعن الاقليم الذي يطمح اليه اليهود, ذكر "موسى حاييم مونتيفيور" في مذكراته يوم 24 يونيو 1839م, أنهم يتطلعون إلى فلسطين، وقد عبر "موسى هيس" في كتابه الشهير "روما والقدس" الصادر في سنة 1870م, عن تطلع اليهود إلى فلسطين ورغبتهم في إقامة دولة يهودية بها، أما " لورانس أوليفانت " فقد دعا خلال الفترة من 1878- 1879م, إلى قيام اليهود باستعمار سوريا الجنوبية كما طالب الإمبراطورية العثمانية بمنح اليهود مساحات من الأراضي بشرق الأردن، وقد أعد لورانس كتابا عن فلسطين أرفق به خريطة لفلسطين تشمل المنطقة من جبيل إلى غزة على طول الساحل ومن بعلبك مرورا بدمشق ومناطق الجولان وحوران حتى طريق قوافل الحج المتجهة صوب مكة والحجاز، كما أصدر "ماكس أيزيدور بودينهايمر" كتابا سنة 1891م, بعنوان "أين يذهب اليهود الروس" أشار فيه إلى أهمية العمل على توطين اليهود في سوريا وفلسطين، كما ذكر بودينهايمر في سنة 1895م, إلى أن غاية الصهيونية السياسة تتمثل في الاستعمار اليهودي في سوريا وفلسطين، وفي سنة 1897م, نشر المفكر اليهودي "أشر جينزيورج" مقالا بعنوان "الدولة اليهودية والمشكلة اليهودية" عبر فيه عن اهتمام الصهيونية لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
أما عن افكار هرتزل خلال تلك الفترة فقد حاول إخفاء نواياه الحقيقة تجاه مكان وحدود إقليم الدولة اليهودية، ففي سنة 1896م, نشر كتابه الشهير "الدولة اليهودية" أشار فيه إلى أن فلسطين هي الوطن التاريخي لليهود، وعن حدود الدولة اليهودية كتب هرتزل في يومياته عن حديث دار بينه وبين القس "ويليام هشلر" في 25 إبريل 1896م, أشار خلالها هشلر إلى: (حدود إسرائيل الكبرى حيث اشتملت تلك الحدود في الشمال جبال فيبادوكيا- بتركيا-, والجنوبية عند قناة السويس وأضاف هشلر إلى أن شعار اليهود يجب أن يكون المطالبة بفلسطين داوود وسليمان).
مفهوم فلسطين
ان الفكر الصهيوني المتعلق بالتطلعات الصهيونية لإقامة الدولة اليهودية, تعدد ذكر فلسطين كمرادف للإقليم الذي يتطلع اليهود له كوطن قومي لهم ولذلك فإن مفهوم فلسطين من وجهة النظر اليهودية قد تباينت الآراء الصهيونية اليهودية المتعلقة بحدود فلسطين خلال هذه المرحلة فلم تشر المصادر اليهودية إلى حد واضح يحدد حدود الإقليم الذي أطلق عليه فلسطين إلا أنه يفهم من الآراء الصهيونية المتعلقة بهذا الموضوع إلى أن فلسطين المذكورة يقصد بها أرض الميعاد (الأرض المقدسة) وأن كثيرا من النصوص لم تشر إلى فلسطين فقط بل أشارت إلى سوريا وفلسطين مع عدم ذكر حد فاصل بينهما كما ذكر أحيانا فلسطين وسيناء دون ذكر حد فاصل بينهما أيضا، وقد اشار البعض إلى أن المقصود بفلسطين هو المنطقة التي كانت تحت سيطرة داوود وسليمان, بينما راح المتطرفون يقولون بأن المنطقة المقصودة تشمل كل المنطقة من جبال فيبادوكيا وحتى قناة السويس، وفي مجال تحديد حدود فلسطين خلال تلك الفترة فقد قام "أرثور ستانلي" بإصدار كتاب سنة 1856م بعنوان "سيناء وفلسطين" وأرفق به خريطة لكل فلسطين وشبة جزيرة سيناء, ومن مدينة صيدا على شاطئ البحر المتوسط ودمشق في الداخل حتى منطقة رأس محمد- جنوب شرم الشيخ- وخليج السويس، ولكن تلك الخريطة لن ترسم حدود فاصلة بين سيناء وفلسطين, ومن ذلك يفهم أن الحد الشمالي لحدود فلسطين يمتد من صيدا إلى دمشق.
مسح وخرائط
في عام 1892م, ألقى كابتن "وارين" محاضرة في بريطانيا أشار فيها إلى أن الحدود الشرقية لفلسطين تشمل على الضفة الشرقية لنهر الأردن حتى الصحراء العربية، والجدير بالذكر إن الكابتن وارين جاء إلى فلسطين سنة 1867م, وكان من العاملين بسلاح المهندسين البريطاني حيث كان مكلفا بالاشتراك في اعمال المسح في فلسطين وقد شرع منذ سنة 1873م, بالبحث عن مسرح المعارك التي دارت بين الفلسطينيين واليهود قديما, كما قام بمسح المنطقة الغربية لنهر الأردن وقام ايضا بوضع خرائط مفصلة للمنطقة الواقعة غربي الأردن محاولا تعيين مواقع الأسماء التي ذكرها في الكتاب المقدس ورسم حدود "أسباط بني إسرائيل الاثني عشر"، وقام بنشر كتاب سنة 1875م, أشار فيه إلى أن فلسطين يوجد بها متسع من الأرض يكفي توطين 15 مليون نسمة . كما أن صندوق اكتشاف فلسطين التابع لبريطانيا نشر خريطة لفلسطين سنة 1890م, وقد اشتملت تلك الخريطة على ضفتي الأردن مع إعطاء الجزء الواقع غرب نهر الأردن اسم فلسطين الغربية والجزء الواقع شرق النهر اسم فلسطين الشرقية، وصندوق اكتشاف فلسطين قد اعتبر الأرض المقدسة هي المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن, ومن صور- بنياس- شمالا أي خط الجنوب يسير بالقرب من غزة إلى بئر سبع ثم البحر الميت.
حدود مسلحة
قال العالم اليهودي آينشتاين 1948م "إن معرفتي بالطريقة اليهودية تجعلني أشك في وجوب قيام دولة لإسرائيل تعتمد على حدود مسلحة, وإلا فإن هذه الدولة لن تكون إلا مؤقتة لا تدوم "فالفكر السائد خلال تلك المرحلة- يتجسد اليوم بصورة واضحة- بخصوص مساحة فلسطين يتلخص في الآتي: "الأرض المقدسة وتشمل المنطقة المحصورة بين البحر الأبيض المتوسط في الغرب ونهر الأردن في الشرق, وصور في الشمال وبئر سبع في الجنوب وهذه المنطقة هي التي يطلق عليها من وجهة النظر الدينية من دان إلى بئر السبع، أما فلسطين الكاملة وتشمل المنطقة من البحر الأبيض المتوسط وتمتد حتى الحد الشرقي للضفة الشرقية لنهر الأردن- بادية الشام، والحد الشمالي يشتمل على الخط صيدا ودمشق وفي الجنوب سيناء دون تحديد خط واضح.
وفي اعقاب نكسة حزيران 1967م, قال "ليفي أشكول": "إن ما حققه جيش الدفاع الإسرائيلي في حرب الأيام الستة يعتبر كافيا بالنسبة لموضوع الحدود, فالدولة الصهيونية تتمتع بحدود جغرافية طبيعية آمنة: نهر الأردن بأغواره شرقا, البحر الأبيض المتوسط غربا, جبل الشيخ وهضبة الجولان ومرتفعات لبنان إلى رأس الناقورة شمالا, وقناة السويس جنوبا"، فالعسكرية الصهيونية التوسعية الاستعمارية كلما سمحت لها الظروف ان تقوم بغزو جديد واغتصاب جديد وحدود جديدة تحت قوة السلاح والدعم الغربي المستمر وهذا ما هو خاصل اليوم منذ عدوانهم على غزة ومن ثم لبنان والتوسع واحتلال أراضي سوريه في ظل خنوع عربي لم يشهد له التاريخ مثيلا.