أخبار وتقارير

الصهيونية والمخططات التوسعية في المنطقة العربية! (2)

الصهيونية والمخططات التوسعية في المنطقة العربية! (2)

في جميع مراحل العمل الصهيوني، كان شعار الصهاينة غير المعلن يسير إلى حد بعيد وفق الشعار: "خذ ما تستطيع الحصول عليه دون أن تتخلى عن أي هدف من أهدافك,

واعمل على أساس الاستفادة من كل ما تحصل عليه لتحقيق الأهداف القريبة والبعيدة على حد سواء"، فالصهيونية كانت تتمسك ولا تزال بفلسطين التاريخية من النيل إلى الفرات وبحقوق الشعب اليهودي في أرضه, حتى عندما كانت تقبل قبولا مرحليا ما تعتبره أقل من حقوقها المشروعة كما تدعى.

- علي الشراعي
إن مخططات الصهيونية التوسعية في المنطقة العربية مطامع بغير حدود, ويقف خلف تلك المخططات والاطماع التوسعية دوافع وعوامل عدة أهمها الدافع والعامل العقائدي الاقتصادي والعسكري والسياسي، فالدوافع العقائدية للتوسع الصهيونية تنبع من صميم الديانة اليهودية التي قامت على أساسها العقيدة الصهيونية التوسعية، فقد حاء في مبادئ حزب "أغود ات إسرائيل" وهو احدى الأحزاب الدينية الصهيونية: "شعب إسرائيل خلق عل جبل سيناء عندما أعطى التوراة".

مصر
يقول الصهيوني هرتزل: "إن سيناء والعريش هي أرض اليهود العائدين إلى وطنهم", وفي 23 أكتوبر 1902م, زار هرتزل المستر تشمبرلن وزير المستعمرات البريطاني الذي عرف بمؤازرته للصهيونية، وسجل هرتزل في مذكراته" أنه شرح للوزير البريطاني علاقة مشروع العريش بمشروع حيفا والأراضي المجاورة لها, وأبدى رغبته للوزير البريطاني في الحصول على مكان لحشد المهاجرين اليهود بالقرب من فلسطين، وفي نهاية المقابلة وجه هرتزل سؤالا مباشرا إلى الوزير البريطاني: "هل توافق على تأسيس مستعمرة يهودية في شبة جزيرة سيناء؟, فأجاب الوزير البريطاني: نعم إذا وافق اللورد كرومر على ذلك، وبعد تلك الزيارة كتب هرتزل في مذكراته: "إن بريطانيا وافقت على إيجاد مستعمرة يهودية تتمتع بالحكم الذاتي في الزاوية الجنوبية الشرقية من البحر الأبيض المتوسط، وفي اليوم التالي للمقابلة التي تمت بين هرتزل وتشمبرلن وبناء على اقتراح الوزير البريطاني، استقبل اللورد لانسدون وزير الخارجية البريطاني هرتزل وأبدى له تأييده لفكرة إقامة جاليات ومستعمرات يهودية في وادى العريش وشبة جزيرة سيناء, واستعداده لكتابة رسالة إلى اللورد كرومر الحاكم البريطاني في مصر حول زيارة هرتزل إلى مصر وتوصيه كرومر بتسهيل مهمته الاستطلاعية.

اللجنة الصهيونية
سافر مبعوث هرتزل إلى مصر مزودا برسالة وزير خارجية بريطانيا وتأييد وزير المستعمرات القوى، وفي 13 نوفمبر 1902م, سجل هرتزل في مذكراته: "عاد غرينبرغ- وهو صهيوني بريطاني وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية- من القاهرة حيث أحرز نجاحا تاما، لقد كسب اللورد كرومر إلى جانب قضيتنا, كما كسب بطرس غالي باشا رئيس وزراء مصر, وأهم من ذلك, أنه استمال بعض كبار الموظفين البريطانيين كالمستر بوبل والكابتن هنتر"، ثم سافرت عام 1903م, إلى مصر لجنة عرفت باسم "اللجنة الصهيونية" كان هرتزل ضمن أعضائها, فقابلت اللورد كرومر الذي تجاوب مع اللجنة فأرسل مندوبا يمثله في هذه اللجنة الصهيونية، وقصدت تلك اللجنة سيناء ومنطقة العريش لدراسة المنطقة على الطبيعية والبحث عن مدى ملاءمتها للاستيطان الجماعي، وقد اسفرت نتيجة الدراسة الميدانية عن صلاحية المنطقة للاستيطان, أن يحصل الصهاينة على امتياز إدارتها إدارة ذاتية تحت السيادة البريطانية لمدة تسع وتسعين سنه، وفي ربيع عام 1903م, عادت البعثة الصهيونية من منطقة العريش إلى القاهرة بنتائج مبشرة, وتجدد موعد لمقابلة هرتزل باللورد كرومر, لكن فجأة أعلنت الحكومة المصرية أنها ستهيد النظر في الأمر كله, ثم قررت أنها لا تستطيع منح هذا الامتياز للصهاينة, على أساس أن المنطقة المقترح استيطانها جرداء قاحلة ليس بها ماء, وهي قطعا ستحتاج إلى مياه النيل في وقت تحتاج فيه مصر إلى كل قطرة من قطرات النيل، ولذلك فقد أسقط في يد الصهاينة ووقع النبأ على هرتزل وقوع الصاعقة, فلقد حدثت بعض الصعوبات والعراقيل لوضع خطة استعمارية لشبة جزيرة سناء والعريش موضع التنفيذ منذ ذلك الوقت المبكر, فكتب الصهيوني "دافيد ترتيش": "إن الأمر ببساطة, هو أن الإنسان لا يتخلى عن بلاده, عن القسم الجنوبي الشرقي من فلسطين لوجود نقص في المياه".

سيناء والعريش
من الواضح أن السبب الرئيسي لإخفاق الصهاينة في استعمار شبه جزيرة سيناء والعريش في محاولاتهم الأولى منذ عام (1902- 1903م) هو صعوبة تزويد تلك المنطقة بالمياه من النيل، ولكن الصهاينة لم يصرفوا النظر نهائيا عن احتلال هذه المنطقة غلى أساس أن فلسطين المصرية تشكل جزءا من فلسطين الكبرى أي من الوطن القومي اليهودي . في المقابلة المنشورة في عدد مجلة فلسطين الصادرة في 15 فبراير 1917م, حول حدود فلسطين, أيدت الصهيونية رغبة واضحة في إعادة بحث موضوع سيناء والحدود مع مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفي المقالة التي كتبها بن غوريون وبن زفى في مجلة فلسطين عام 1918م, نادى بضرورة ضم العريش للوطن القومي اليهودي، ومما جاء في هذا المقال: "إن الجزء الشرقي لفلسطين ليس أصغر رقعة من الجزء الجنوبي وتبلغ مساحته 77 ألف كيلو متر مربع, فإذا جمعنا ذلك إلى أرض العريش أصبحت المساحة 90 ألف كيلو متر مربع"، وفي المذكرة الصهيونية لمؤتمر السلام المنعقد في باريس 1919م, عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى ورد في تلك المذكرة: "وفي الجنوب حدود يتفق عليها مع الحكومة المصرية " أي السلطات البريطانية في مصر، إن سيناء بالنسبة للحركة الصهيونية تعتبر أقرب مكان إلى فلسطين وأقرب نقطة للوثوب منها على فلسطين حين تسنح لهم الفرصة, وهي ترتبط في نفوس الصهاينة بذكريات دينية عميقة، والواقع هو أن الصهيونية لم تتخل لحظة عن مطامعها التوسعية في أن تمتد ما يسمى دولة إسرائيل حتى الضفة الشرقية لقناة السويس وقد بذلت في الفترة الواقعة ما بين وعد بلفور عام 1917م, ونهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948م, جهودا متواصلة لتحقيق مطامعها في سناء، فقد كان الصهاينة حريصين أشد الحرص على إقامة حاجز يفصل أجزاء الوطن العربي بعضها عن بعض, وعرقلة الوحدة العربية بأي ثمن، وقد أدرك الصهاينة أهمية احتلال شبه جزيرة سيناء والعريش, فعملوا على تحقيق مآربهم هذه بدأب واستمرار, ومن خلال مذكرات القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة يدرك مدى أهمية ومبلغ إلحاح الصهاينة المتواصلة للحصول على شبة جزيرة سيناء والعريش، ولعل إقدام الصهاينة على احتلال شبة جزيرة سيناء والعريش في أيام الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956م , وفي حرب حزيران 1967م, جزء من مخططات الصهيونية لاحتلال هذه المنطقة العربية بالقوة عند سنوح الفرص لاحتلالها، وبعد نكبة 1967م , بدأ العدو الصهيوني بإقامة مشروعات سياحية في شرم الشيخ, وبذل محاولات للتنقيب عن النفط في سيناء.

قناة السويس
مطامع الصهيونية التوسعية في مصر أوسع من ذلك بكثير ولا تقتصر على شبه جزيرة سيناء والعريش, فهي تطمع في احتلال قناة السويس لتكون ممرا بحريا لصهاينة والاستعمار الغربي, حتي يطمئن الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على مستقبل هذه القناة ويديرها كم يشاء وفقا لمصالحه, وحتى يحرم مصر من وارداتها الضخمة التي كان الاستعمار البريطاني يديرها لصالحه قبل تأميم القناة عام 1956م، ويطمع الصهاينة باحتلال الدلتا والإسكندرية أيضا ليتحقق حلم الصهاينة بحدود دولتهم من النيل إلى الفرات.

العراق
في عام 1902م, وجه هرتزل إلى اللورد روتشيلد الممول الصهيوني الكبير رسالة بسط له فيها خطة صهيونية لإسكان المهاجرين اليهود في العريش وشبه جزيرة سيناء وفي جزيرة قبرص، وقد شدد الزعيم الصهيوني على القول بأن الهدف السياسي هو الهدف الأول بالنسبة له, إذ أن إيجاد مستعمرات وجاليات يهودية كبيرة في شرق البحر المتوسط من شأنه أن يدعم الموقف الصهيوني في فلسطين، بالإضافة إلى هذه الخطة عرض هرتزل خطة سرية أخرى مستقلة عن الخطة الأولى وغير متناقضة معها, وهي إنشاء مستعمرات يهودية في العراق،أن الإشارة إلى خطة استعمار العراق لم تكن عابرة أو عرضية فقد كتب هرتزل في 4 يونيو 1903م, إلى عزت باشا عقب توليه منصبة كمستشار في الدولة العثمانية م بتذكيره بالوعد الذي قطعه على نفسه سابقا للمنظمة الصهيونية بالسماح لها بإيجاد مستعمرات يهودية في العراق وفي لواء عكا عن طريق فتح الباب أما الهجرة اليهودية!

مطامع قديمة
لقد كانت أطماع الصهاينة في العراق الأيام الأولى لقيام المنظمة الصهيونية العالمية مؤتمر بال 1897م, ومنذ ذلك الوقت حتى عام 1948م, حيث رحل أكثر يهود العراق إلى فلسطين المحتلة, بذل الصهاينة كثيرا من الجهد وكثيرا من المال, فسيطروا على الاقتصاد العراقي, واشتروا مساحات شاسعة من الأراضي في المدن للبناء وفي القري الزراعية وامتد نفوذهم حتى إلى المناطق الجبلية من شمال العراق في منطقة "دهوك" حيث اشتروا أخصب القرى هناك, كما اشتروا القرى الزراعية الخصبة في ألوية الديوانية والناصرة والعمارة، كما اشتروا كثيرا من أرض بغداد بالذات, وخاصة ضاحية "الكرادة الشرقية", وحاولوا شراء الأرض في ضاحية "الأعظمية", ولكن أهالي الأعظمية أدركوا ما يبيته اليهود لهم فقاوموهم مقاومة شديدة مما أدي إلى أخفاق اليهود في الأعظمية حيث نجحوا في مناطق أخرى من مدينة بغداد، وحين كان اليهود يرحلون عن العراق عام 1948م, كانوا يقولون علنا: (سيأتي اليوم الذي نعود فيه إلى العراق لاستعادة أملاكنا)، إن أطماع الصهاينة التوسعية لا تقتصر على من النيل إلى الفرات, بل يطمعون في استعمار العراق كله بما فيه مناطق نهر دجلة أيضا, بحيث تمتد حدودهم إلى الحدود العراقية التركية الإيرانية في شمال العراق وشرقه، لقد أعلن الصهيوني الإرهابي" موشى ديان: وزير دفاع العدو الصهيوني في يوم 6 يونيو 1967م, وهو يوم احتلال القدس قائلا: (لقد استولينا على أورشليم ونحن في طريقنا إلى يثرب وإلى بابل).

السعودية والخليج
إن الصهيونية تطمع في الاستيلاء على الأرض السعودية الواقعة على خليج العقبة, وهي الحدود الشرقية لهذا الخليج البالغ طول طولها خمسة وتسعين ميلا, لأن العدو الصهيوني يريد أن يكون هذا الخليج بحيرة صهيونية يصلها بالبحر الأحمر وبدول شرق أفريقيا وآسيا, والتوسعات الصهيونية تريد أن يمتد نفوذها إلى الجنوب ليشمل "تبوك" حتى المدينة المنورة, على اعتبار بحسب زعمهم أن قسما من هذا المناطق كانت من أملاك اليهود فأجلوا منها، وهي تطمع أن يمتد نفوذها إلى جنوب المدينة المنورة حتي ميناء "ينبع" على البحر الأحمر على مسافة 112 كم من جنوب المدينة المنورة، وهي تطمع ان يمتد نفوذها إلى مناطق آبار النفط السعودية, لأن الصهاينة يزعمون أنهم أقدر على إدارة هذه الآبار من العرب وأنهم أولى بمواردها!
فالصهيونية لا تكتفي بالسعودية بل ترمى مخططاتها التوسعية ايضا إلى كل إمارات الخليج العربي ومشيخاته لتستحوذ على مناطق النفط فيه ولكى يكون الخليج العربي من خطوط المواصلات الصهيونية التي تربط العدو الصهيوني بدول آسيا في الهند والشرق الأقصى.

تحالف صهيوني- صليبي
لذا فالصهيونية كيان عنصري استعماري توسعي استيطاني لن يكتفي بفلسطين وما يرتكب فيها من جرائم إبادة وقتل وتشريد واقامة المستوطنات منذ اغتصابه لها قبل 76 عاما, ففلسطين هي خط الدفاع الأول لجميع البلدان العربية فإذا سقطت سيكون الدور على كل من لبنان وسوريا والاردن والعراق ومصر والسعودية ومشيخات الخليج العربي ,بل ربما ابعد مما يعلن بشعار جدود دولتهم من النيل إلى الفرات، وواقع اليوم خير شاهد على تلك المطامع التوسعية الصهيونية والتي تقف خلفها دول الغرب الصليبية وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا, في ظل ليس تخاذل عربي فحسب بل تآمر وخيانة وعمالة للقضية الفلسطينية لم يشهد له التاريخ العربي مثيلا.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا