
صراع الكبار صراع إرادات في عالم متعدد الاقطاب (1)
صراع الإمبراطوريات العتيقة والصاعدة جذوة متقدة تتعاظم أمريكا في الميزان العسكري الدولي قراءة من كتاب نصرٌ من الله الجزء الثاني لمؤلفه العميد الركن دكتور حسن حسين الرصابي .
المحيط الدولي بما يشتمل عليه من مؤشرات على تنامي الصراعات الدولية بين الدول الكبيرة ومراكز النفوذ العالمي يؤكد ان العالم يتشكل في تحالفات جديدة وفي استقطابات القائمة في ظل الحرص الأمريكي على أن يكون هذا القرن أمريكي القيادة بامتياز, تبرز قوى تبحث عن مكان لها في هذا الإطار من الاحتقانات والتنافس أبرزه الجانب الاقتصادي والاستثماري ومحركات التنمية الاقتصادية القائمة على العولمة وعلى توفير القوة العسكرية المناسبة لتحقيق الإنجاز الاقتصادي المريح ولفرض انماط معينة من العلاقات الاقتصادية ..
واذا اعدنا قراءة التاريخ العسكري لأمريكا وغيرها سنجد ان هذه الامبراطورية خاضت حروباً عديدة بل هي من خططت لهذه الحروب والصراعات .. مما هيأها لأن تكون محور كل الحروب أو داعمة لها أو مولدة لبواعث الحروب والصراعات وقد تشكلت لها خبرات واسعة ومتعددة في الحروب الحديثة .. أما في الحروب العالمية المعاصرة لا تشكل الجبهات الا خطوط تماس مباشرين بين الاجهزة الحربية العالمية للمتصارعين , كما لا تشكل الجيوش والأساطيل وملحقاتها مع امداد اتها المختلفة سوى "موجات قوى" تصدر عن تلك الأجهزة لتكيل الجحيم الممكن من الضربات الى جهاز الخصم فالصراع لا يكون على جبهات متصلة فحسب تفصل بين مناطق المتصارعين , وانما بين اجهزة عسكرية عالمية يغطي كل واحد المنطقة التي يعود اليها وبلغ الإعداد لهذا الشكل من الصراع ذروة كماله في هذا العصر الصاروخي الفرط صوتي التقليدي , والصواريخ الفرط صوتية ذات الرؤوس النووية والطيران المسير القاذف والانتحاري "المفخخ " الذي يمكن يحمل مقذوفات تقليدية وقد يمكن أن يحمل مقذوفات غير تقليدية محدودة – ذرية – بيولوجية – أي نوع من الغازات .. تكفي لتغطية منطقة صغيرة محددة كافية لتدمير نقطة في موقع تكتيكي هام في أرض العدو ..
فإذا كان التناسب بين مختلف الطاقات للمتصارعين , ومختلف طاقاتهم الاقتصادية (على الاخص منها الصناعية) ومختلف درجات استعدادهم هو الذي يحدد مقدار احتمال النتيجة التي سيخرج بها كل طرف من أولئك المتصارعين من الحرب فان القيادات في تلك الحرب التي كانت تدور بالأسلحة الكلاسيكية كانت تملك الزمن لتقوم بالتنسيق بين مختلف تلك الطاقات في اثناء دوران رحى القتال . أما اليوم فان على كل معسكر ان يركب من مختلف امكاناته جهازاً عسكرياً في درجة من التماسك والقوة بحيث يمكنه الانطلاق تلقائياً بين اللحظة التي تبدأ فيها الحرب وبين نهايتها , وهي فترة قصيرة كما رأينا إلى أفضل نتيجة ممكنة ويمكن القول ان الطاقة المدمرة قد تمردت على عنصر الزمن الذي كانت تابعة له ومرتبطة به إلى حد كبير ولهذا الاختصار كبير في فترة مجابهة نتائجه على شروط الصراع ايضاً فمن بدء الحرب يكون قد فات الأوان لتغيير مجراها واشكالها ’ إذ يصبح من العسير تعبئة عناصر اضافية , او عقد أحلاف جديدة , أو التعلق بأهداب امل مفاجئ يغذيه تطور تقني جديد من شأنه التأثير في الاحداث فالوقت يبدوا محدود جداً..
فأمريكا العدوانية حالياً تتبنى استراتيجية أن تكون قوات الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للقيام بالحرب في أية لحظة وفي أي مكان من سطح الأرض أو المجال الجوي وفي أي نوع من أنواع الصراع .. وامريكا تعمل بكل السبل لتكون قواتها جاهزة ومعدة كماً ونوعاً لأي طارئ حيث تقوم بتدريب قواتها للوصول إلى درجة الاحتراف العسكري والتقني وتخضع قواتها للتمارين العملية في واقع محاكي لظروف الحرب الحديثة الافتراضية وفي التدريب على الخرائط والتنفيذ في ارض مشابهة لمسرح العمليات المفترضة.. بحيث تكون هذه القوات في استعداد للتدخل في أي بلد وهناك قوة تدخل سريع جهزت للدفع بها في تنفيذ عمليات في أوكرانيا لو تطلب الأمر للتدخل لمساندة أوكرانيا أو في بحر الصين اسناداً لتايوان وقوة خاصة تخضع للتدريب النظري والعملي من خلال تكثيف المناورات في أرض مشابهة لأرض المعركة المحتملة وهذه القوات تم تعيينها في اغسطس 2023م في عهد إدارة الرئيس بايدن ولاتزال تمارس التدريب الميداني وكذا التدريب على أساليب المحاكاة المباشرة والتعمق في دراسات تفصيلية لجغرافية وطبوغرافية مسرح العمليات المحتمل .. وقد عملت على اعداد بنك أهداف على المستوى التكتيكي والتعبوي والاستراتيجي.. وذلك للتدخل في حرب في جمهورية أو كرانيا أوفي إيران وكوريا الشمالية , أو لمساندة الكيان الصهيوني الغاصب ..
ويحفل الفكر العسكري الاستراتيجي بخبرات قتالية عديدة للجيش الأمريكية في اطار صياغة معادلات عسكرية قائمة على الهيمنة وعلى فرض الإرادات على الشعوب والأنظمة وقبل هذا الفكر العسكري والاستراتيجي الامريكي يحمل هوية خاصة بأمريكا وأطماعها وعلاقاتها ونفوذها كما ان الفكر العسكري الأمريكي يعمل على الإعداد لاستراتيجية شمولية تضع في الاعتبار المصالح الحيوية الأمريكية ’ وحلفائها على مستوى خارطة الأرض ولتنفيذ ذلك عملياً فلديها جهاز عسكري شمولي ضخم سخرت له كل الإمكانيات التسليحية والمادية واللوجستية .. ولديها شبكة من القواعد العسكرية منتشرة في مناطق استراتيجية من العالم مثلاً تنتشر القواعد العسكرية الأمريكية على سطح الكرة الأرضية في كل مناطق العالم الرأسمالي بشقيه المتقدم والمتخلف وهي تؤلف الهيكل الذي يقوم عليه الجهاز العسكري الامريكي العالمي برمته فوزارة الدفاع الأمريكية تمتلك نحو الفين وسبعمائة قاعدة وموقع عسكري في أكثر من خمسة وثلاثين موقعاً منها 346 قاعدة ضخمة خارج الولايات المتحدة يرابط في تلك القواعد قرابة ربع القوات المسلحة الأمريكية أي خمسمائة وخمسين الف جندي تقريباً من مختلف الأسلحة البرية والجوية والبحرية , ونحو الفيين طائرة حربية ’ وما يربو على350سفينة قتال ومساندة مع اثنى عشر الف رأس نووي وخط انتشار القواعد والأساطيل العسكرية في العالم ..
واليوم نلحظ أن أمريكا تضع حساباتها في التواجد العسكري عبر اتفاقيات عسكرية عديدة أبرزها في مواجهة الصين في آسيا .. رغم ان امريكا واوروبا الغربية بدأت تفقد قواعد لها في أفريقيا جراء المد الروسي والتأثير الكبير لبوتين ودخول الصين بهذه المنافسة .. ونشير هنا إلى الآتي
أ - قواعد الأطلسي وفروعه :
كما هو متعارف في المفهوم الأمريكي ان القاعدة الأولى في الشبكة العالمية للقواعد الأمريكية هي بطبيعة الحال أرض الولايات المتحدة الأمريكية التي يقوم عليها الاحتياطي العام : الإنساني "البشري" , الاقتصادي والعسكري للنظام الرأسمالي وتقوم على هذه الأرض قواعد الصواريخ العابرة للقارات في المناطق التالية